في مشهد تواصلي يجمع بين الثقافة والتكنولوجيا، احتضن مركز المؤتمرات بمدينة الحمامات التونسية يوم 24 جوان 2025 فعالية "يوم الصين الرئيسي ومعرض تقديم البرامج السمعية البصرية المتميزة"، وذلك ضمن فعاليات الدورة 25 لمهرجان اتحاد إذاعات الدول العربية.
شكّلت هذه الفعالية محطة رئيسية في أجندة المهرجان، لما حملته من رمزية كبرى تعكس متانة العلاقات الصينية العربية في المجال الإعلامي، وحرص الطرفين على بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد، تقوم على التبادل المعرفي والتقني والثقافي في قطاع يُعدّ من أكثر القطاعات تأثيرًا في الوعي الجماهيري: القطاع السمعي البصري.
حضور رفيع وكلمات تؤسس لشراكة المستقبل
شهدت الفعالية حضورًا عالي المستوى من مسؤولي الإعلام في الصين والدول العربية.
وقد افتُتحت بسلسلة من الكلمات الرسمية التي عبّرت عن الرغبة السياسية والإعلامية في توطيد العلاقات الثنائية، حيث ألقى السيد ليو شين هانغ، نائب مدير مكتب الخدمات للإذاعة والتلفزيون الصيني، كلمة ترحيبية أكّد فيها على أهمية المضي قدمًا في بناء جسور إعلامية متينة بين الجانبين.
تلاه المهندس عبد الرحيم سليمان، المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية، الذي أكّد في مداخلته أن قطاع الإعلام السمعي البصري "فاعل ومؤثر للغاية"، مشددًا على ضرورة تسخير الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة في خدمة التقارب الثقافي وتطوير الإنتاج الإعلامي العربي.
ثم تناولت الكلمة السيدة يانغ بيي لي، المفتشة الأولى في مكتب الإذاعة والتلفزيون ببكين، حيث شددت بدورها على أهمية مواصلة التعاون وتوسيع مجالات التبادل خصوصًا في المحتوى والتقنيات الحديثة.
منتدى "Love Beijing": من الإبداع المحلي إلى التأثير العالمي
أحد أبرز محاور الفعالية تمثّل في تنظيم سلسلة منتديات "Love Beijing"، التي تناولت أربع قضايا محورية:
- أثر منتوجات بكين السمعية البصرية الكبرى على العالم،
- آفاق التعاون الصيني العربي في مجال التكنولوجيا والمحتوى الإعلامي،
- اتجاهات تطور سوق المنتوجات السمعية البصرية العربية،
- تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة الإعلام والمحتوى البصري.
هذه المنتديات قدّمت صورة متكاملة عن التجربة الصينية في تطوير الإعلام المعاصر، وكيف يمكن لهذه التجربة أن تُسهم في دفع الإعلام العربي نحو المزيد من الابتكار، سواء من حيث الإنتاج أو البث أو استراتيجيات التوزيع الرقمي.
كما خُصصت جلسة خاصة بعنوان "عدسات متبادلة على طريق الحرير البحري"، استعرضت مشاريع التعاون في مجال الإنتاج السمعي البصري بمقاطعة فوجيان، التي تُعدّ من أبرز المناطق الصينية النشطة ضمن مبادرة "الحزام والطريق".
الإبداع الصيني في خدمة التقارب الثقافي
استعرضت الفعالية مجموعة من الأعمال الصينية المتميزة التي تمثّل زبدة التجربة الإعلامية الحديثة، من أبرزها:
- منصة سيتشوان للبث المتكامل: نموذج متطور للإنتاج والتوزيع الذكي،
- مسلسل الرسوم المتحركة "بيلو هو": إنتاج يمزج بين القيم الصينية التقليدية وأساليب السرد الحديثة،
- الوثائقي "أرض الحب الحقيقية": عمل إنساني يعبّر عن القيم الكونية في سياق بصري مؤثر.
مداخلات نوعية.. وإجماع على أولوية التعاون
تميّزت الندوة أيضًا بمداخلات قيّمة من مجموعة من الخبراء والمسؤولين والإعلاميين من الجانبين الصيني والعربي، حيث أثرت النقاش كل من:
- شي جي، نائب مدير مركز بحوث التنمية بالإدارة الوطنية للإذاعة والتلفزيون في الصين
- شي لي، مدير مركز بكين لتبادل وترويج الإذاعة والسينما والتلفزيون
- نبيهة بن صالح، مديرة إدارة التلفزيون باتحاد إذاعات الدول العربية
- مجيد المرايحي مدير العلاقات الدولية بالتلفزة التونسية
- نجلاء الطرابلسي، منتجة وسيناريست تونسية
وقد أجمع جميع المتدخلين على أهمية بناء شراكة إعلامية استراتيجية بين الصين والدول العربية، تقوم على تبادل التجارب، والإنتاج المشترك، وتطوير المهارات، والانفتاح على التكنولوجيا، مع الحفاظ على الخصوصيات الثقافية وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة.
اتحاد إذاعات الدول العربية: رؤية واضحة وخطط متقدمة
في هذا السياق، شدّد المهندس عبد الرحيم سليمان على أن الاتحاد يعمل حاليًا على:
- تعزيز تبادل البرامج مع مجموعة الصين للإعلام عبر منصة "ASBU Cloud"،
- توسيع التعاون في المجال الإخباري والإنتاج المشترك،
- تطوير برامج تدريب وتبادل خبرات تقنية وصحفية،
- إدماج الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات العمل الإعلامي،
- الانخراط في المبادرات الدولية الخاصة بحوكمة الذكاء الاصطناعي ضمن مبادرة الحزام والطريق.
وقد اعتبر المهندس عبد الرحيم سليمان أن مثل هذه الفعاليات تتيح فرصة لتحديد أولويات الجماهير في كلا الطرفين، ما يسمح بتقديم محتوى أكثر قربًا وملاءمةً لخصوصيات كل مجتمع.
الأهداف المشتركة: من الثقافة إلى التكنولوجيا
انسجامًا مع روح مبادرة "الحزام والطريق"، تم التأكيد على جملة من الأهداف العملية:
- تعزيز الحوار الإعلامي الصيني العربي،
- تشجيع الإنتاجات المشتركة خاصة في الوثائقيات والدراما،
- توسيع استخدام التكنولوجيا الحديثة (AI، AR، VR) في الإنتاج والبث،
- إطلاق برامج تدريبية مخصصة للصحفيين والفنيين،
- مكافحة الصور النمطية وترويج التفاهم والسياحة والثقافة.
نحو سردية إعلامية إنسانية جديدة
ما ميّز فعالية "يوم الصين الرئيسي" هو قدرتها على الجمع بين التجربة والمستقبل، بين الذاكرة والإبداع، وبين التقنية والرسالة، وقد عكست العروض والنقاشات رغبة مشتركة في صياغة سردية إعلامية إنسانية جديدة، لا تقف عند الحدود الجغرافية أو الثقافية، بل تنفتح على العالم برؤية أكثر شمولًا وإنصافًا.
إن التعاون الصيني العربي في المجال السمعي البصري لم يعد مجرّد خيار، بل أصبح ضرورة استراتيجية في زمن تتداخل فيه المعلومة بالصورة، وتتشكل فيه الوعي الجمعي عبر الشاشات والمنصات الرقمية.
ومن هنا، يمكن اعتبار هذه الفعالية خطوة متقدمة على درب طويل من الشراكة والتلاقي، حيث تتقاطع الرؤى وتتكامل الجهود لصناعة مستقبل إعلامي مشترك، أكثر إشراقًا وإنسانية.