مستقبل الإعلام بين الابتكار والتطوير: الذكاء الاصطناعي شريك لا بدّ منه، لا بديل عن الإنسان

 

ضمن فعاليات الدورة 25 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون، التأمت يوم الأربعاء 25 جوان/يونيو 2025 ندوة بعنوان: «مستقبل الإعلام بين الابتكار والتطوير: الذكاء الاصطناعي ثورة رقمية تطرح تساؤلات حول مستقبل الصحافة والإبداع»، احتضنتها المدينة المتوسطية بالحمامات، وقد جمعت هذه الندوة عددا من الخبراء الأكفّاء بين عرب وأجانب وهم:

في مستهل الندوة، أكدت الدكتورة إيناس الشنوفي أن الذكاء الاصطناعي لا يمثل تهديدًا للعنصر البشري، بل يشكّل أداة فاعلة لتطوير أدائه، حيث صرّحت: "الذكاء الاصطناعي لن يعوّض عمل الإنسان بل يسهّله".

واعتبرت أن دوره يكمن في دعم الإنسان وتحسين قدرته على التركيز والإبداع من خلال تولّي المهام المتكررة أو التقنية.

وأشارت إلى أن الإعلامي العصري يجب أن يكون مهيّئًا لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بذكاء، لا لمقاومتها بل لتطويعها في خدمة المحتوى الجيّد، مضيفة أن المستقبل يتطلب مزاوجة بين الفطنة البشرية والتقنية الذكية.

أ. كارينا مهنا: الذكاء الاصطناعي عامل مساعد لا غنى عنه في غرف الأخبار

من جانبها، سلّطت أ. كارينا مهنا، المسؤولة بوكالة الأنباء الدولية "سبوتنيك"، الضوء على التجربة الواقعية التي تعيشها الوكالة مع أدوات الذكاء الاصطناعي، مؤكدة أن هذه التكنولوجيا أصبحت عنصرًا مساعدًا لا غنى عنه في ظل ضغط العمل المتزايد داخل غرف التحرير. وقالت: "الذكاء الاصطناعي عامل مساعد للصحفيين في الترجمة وإنتاج المحتوى المرئي والسمعي".

وأضافت أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم بشكل مكثّف في تسريع عمليات إعداد التقارير وترجمتها، وكذلك في إنتاج المواد الصوتية والبصرية، خاصة عندما تكون الموارد البشرية تحت ضغط الوقت أو الكم، لكنها شددت في المقابل، على أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يعوّض المراسلين أو الصحفيين بالكامل، إذ تبقى اللمسة الإنسانية ضرورية لضمان الدقة والسياق والمصداقية.

وأكدت أن تجربة "سبوتنيك" تُظهر أن الموازنة بين المهارات البشرية والتقنية تضمن جودة عالية وسرعة في الإنجاز، لكنها لا تستغني أبدًا عن المحرّر الصحفي في أي مرحلة من مراحل الإنتاج الإعلامي.

Mr. Dipesh Makwana: الذكاء الاصطناعي واقع لا يمكن تجاهله… ولكن لا ثقة كاملة

أما الخبير البريطاني ديبيش ماكوانا (Dipesh Makwana)، المتخصص في خدمات البث عبر الإنترنت، فقد تطرّق في مداخلته إلى الجانب التكنولوجي من الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من المشهد الإعلامي الراهن، سواء أدركنا ذلك أم لا. وشدّد على أن هذا التطور الرقمي يفرض نفسه بقوة، لكنّه في المقابل مازال بحاجة إلى رقابة بشرية دقيقة.

واعتبر ماكوانا أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن الوثوق به بشكل كامل في توليد المحتوى، إذ مازال هناك مجال للخطأ، خاصة في النصوص الإخبارية ومقاطع الفيديو التي تتطلب تدقيقًا وتحققًا مستمرًا. لذلك، لا يمكن الحديث عن استبدال الصحفي أو المحرر البشري، بل يجب الحفاظ على دوره كمُدقّق ومُراجع وضامن للجودة والمصداقية، حسب قوله.

كما أشار إلى ضرورة إتاحة مساحة للإبداع البشري في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي نفسها، معتبرًا أن الرهان الحقيقي هو في كيفية تسخير هذه التكنولوجيا لخدمة المحتوى الإعلامي، لا في الخوف منها. 

ودعا إلى تبني هذا التحول التكنولوجي بعقلية منفتحة، دون إغفال الحاجة إلى إطار أخلاقي ومهني يُنظّم استخدامه في غرف الأخبار وفي عملية الإنتاج الصحفي.

تساؤلات حقيقية.. ونقاش مفتوح

الندوة لم تكتف بعرض مواقف الخبراء، بل فتحت المجال أمام نقاش حيّ بين الحضور، طُرحت فيه تساؤلات حول حدود تدخل الذكاء الاصطناعي في العمل الإعلامي، ومخاوف تتعلّق بالخصوصية، والموثوقية، ومستقبل الصحفي في ظل التحوّل الرقمي المتسارع.

وقد تلاقحت الآراء بين من يرى في الذكاء الاصطناعي فرصة لإعادة ابتكار المهنة وتطوير الأدوات الإعلامية، ومن يخشى أن تؤدي هيمنته إلى تسطيح المعلومة أو تهديد استقلالية الخطاب الصحفي.

حوصلة الندوة..

أجمعت مداخلات الخبراء والنقاشات المفتوحة في هذه الندوة على أن الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا للصحافة، بل أداة قوية يجب تعلّم استخدامها بوعي ومهنية. لكنّه في المقابل، لا يمكن أن يُعوّض الحس النقدي، ولا الاستبصار التحريري، ولا الرؤية الإبداعية التي يتميّز بها الإنسان.

إن مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي لا يكمن في الاستغناء عن الصحفي، بل في تأهيله ليصبح أكثر قدرة على التفاعل مع هذه الثورة الرقمية، وتطويع أدواتها لخدمة الحقيقة، وتقديم محتوى أكثر ثراء وعمقًا، فالمعادلة الناجحة، كما خلُصت الندوة، تكمن في الشراكة بين الإنسان والآلة، لا في التنازع بينهما.