«الخيل والليل».. عرض ملحمي يختتم المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون ويعيد للهوية العربية وهجها

 

اختتم اتحاد إذاعات الدول العربية مساء الخميس 26 جوان/يونيو 2025 فعاليات الدورة 25 من المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون، بعرض فنّي حمل توقيع الفنان كريم الثليبي، عنوانه «الخيل والليل»، وجاء ليختصر ببصمة فنية وجدانية تاريخًا من الانكسارات والآمال المتجددة، ويحتفي بالموروث الموسيقي العربي من زاوية غير مسبوقة.

عرض يُلخّص الوجدان العربي تحت قبة الشعر والموسيقى

«الخيل والليل» ليس مجرّد عرض اختتامي، بل هو تجربة فنية متكاملة، تمزج بين الموسيقى والشعر والصورة والصوت والرسالة، فالعرض مستلهم من صدر بيت المتنبي الشهير: «الخيل والليل والبيداء تعرفني»، الذي استثمره كريم الثليبي كمفردة جامعة بين الفلسفة والتاريخ والأنثروبولوجيا والرمزية الشعرية.

من خلال هذا الاختيار، قدّم الثليبي للجمهور عرضًا يحاكي الانكسارات العربية، ويستنهض في الآن ذاته طاقة الحياة، فجاءت رمزية "الخيل" تمثّل الانطلاق والعنفوان والأمل، و"الليل" يرمز لليل طويل من الانقسامات والخذلان. 

أما الرسالة فبسيطة ومباشرة وهي: "كل هذا الليل سيكون له صباح".

شعراء كبار على ركح الموسيقى

إلى جانب الموسيقى والغناء، كانت القصائد حاضرة في العرض كركن رئيسي، ليضطلع الشعر بدوره التقليدي في مخاطبة الوجدان العربي. 

جاء الصوت الشعري عابرًا للعصور والحدود، وعلى سبيل الذكر جبران خليل جبران عندما قال: «سكن الليل وفي ثوب السكون تختبي الأحلام، وسعَ البدر وللبدر عيون ترصدُ الأيام»،

وابن سهل الأندلسي حين ردّد: «سَل في الظَلامِ أَخاكَ البَدرَ عَن سَهَري، تَدري النُجومُ كَما يَدري الوَرى خَبري»،

وحتى امرئ القيس بقوله: «وَليلٍ كَمَوْجِ البَحرِ أرْخَى سُدولَهُ … عليّ بأنواع الهموم ليبتلي».

طيف عربي من الأصوات والألوان الموسيقية

العمل قدّم 21 أغنية ومعزوفة، جمعت بين الشجن والبهاء، واحتفى بتعدد اللهجات الموسيقية، وأبرز ثراء الموروث العربي، وشارك في أدائه فنانون من ست دول عربية:

  • أحمد الرباعي من تونس
  • رضوان الأسمر من المغرب
  • منى دندني من موريتانيا
  • كريستيا كساب من لبنان
  • عبد المجيد ابراهيم من السعودية
  • سهى المصري من اليمن

رافقتهم الأوركسترا بقيادة راسم دمق، مع كورال بإشراف مهدي ميموني، ما أضفى على العرض طابعًا أوركستراليًا ملحميًا، دقيقًا في توزيعاته ومشحونًا بالانفعال.

فلسطين.. في صلب "الخيل والليل"

لم تكن فلسطين غائبة، بل جاءت حاضرة بقوة في الرؤية وفي الأداء. حيث سبق الأغنية الرئيسية الموجّهة لفلسطين، إلقاءُ أبيات للشاعر السعودي مهذل الصقور:

«أتَظُنُّ أنكَ عندما أحرَقْتَنِي

ورَقَصْتَ كالشيطانِ فوق رُفاتي..

عبثاً تُحاول.. لا فناء لثائرٍ

أنا كالقِيامةِ ذاتَ يومٍ آت»

ثم صدحت القاعة بأغنية:

"شدّوا بعضكم يا أهل فلسطين، شدّوا بعضكم".

ليغني الجميع لفلسطين، دون حاجة لتمثيلية رمزية أو بروتوكولية، بل كحقيقة كامنة في قلب العرض، تؤكد أن القضية، رسالة تُغنّى من كل بقعة عربية.

الرؤية البصرية: لا تمثيليات.. بل انسجام موضوعي

تميّز العرض باشتغال بصري دقيق، حيث خدمت كل صورة الموضوع الأساسي، دون الاقتصار على الهوية الجغرافية، أي سواء كانت الأغنية من موريتانيا أو من السعودية أو من تونس أو من أي بلد عربي آخر، فقد كانت في خدمة "الخيل والليل".

«الخيل والليل».. ختام لا يشبه سوى نفسه

لم يكن اختتام الدورة 25 من المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون مجرّد حفل توزيع جوائز أو عرض فني، بل كان حدثًا سيظلّ محفورا في الذاكرة، من خلال تجربة جمعت الخيال بالموروث، والفن بالرسالة، وانتصرت للصوت العربي حين يكون صادقًا وحرًا وجماعيًا.

"الخيل والليل" أعاد للمشهد العربي فنيّته المنسيّة ووهجه المقموع، ليؤكّد أن الفجر آتٍ، مهما طال الليل.